في الجيل الحالي قليل من أهل الصعيد يعرف اسم “الريس حفني” ، فهو مغمور الآن لكنه طوال 30 عاماً كان الأب الروحي لـ”الموال الصعيدي” ولم يلق شهرةً مثل “الريس متقال” أو “محمد طه”، في الصعيد كان هناك تنافس كبير بين الشيخ الطبلاوي والريس حفني في مبيعات شركة موريفون، لكن مع ظهور “الفيديو كليب” ولاحقاً الـ C.D بدأت شهرة شركة موريفون في التأثر سلبيًا حتى اشترى محسن جابر هذه الشركة.
حين تسمع الريس حفني الآن تشعر أنك رحلت إلى أقصى أدغال الصعيد في سهرة “فرفشة” لكن بمذاق خاص، فالشاي التقيل الحبر أمامك، والحطب مشتعل في ليالي الشتاء الباردة، و “الجوزة” بيد الجالسين وهم يستمعون لشريط كاسيت من إنتاج “موريفون” للصوتيات.
ببني مر في أسيوط وُلِد الريس حفني سنة 1920 م، وتلقى تعليماً محدوداً ثم التجأ إلى مغنيي الربابة في أسيوط، حتى رحل إلى البلينا في سوهاج وهناك تلقى فنون الموال كون البلينا في زمن الأربعينيات تتميز بانتشار المواويل الصعيدية، لكن كان ما يعانيه هو أنه لا يفهم شيئاً من المقامات الموسيقية، وهو ما ساعده فيه القارئ عبده عبدالراضي.
بدأ الريس حفني طريق شهرته عن طريق سرادق الثقافة الجماهيرية الذي كان يقام كل عام في حديقة الخالدين بالدراسة، وهو الذي أهله إلى السفر حيث إذاعة الإسكندرية المحلية وهناك بدأ مشواره الغنائي.
تزوج الريس حفني المغنية السكندرية روح الفؤاد صاحبة أغنية “سوق بينا يا أسطى على الكورنيش”، لكنه تفوق عليها شعبياً حين تعمق في المواويل الصعيدية وتبسيط لهجتها حتى استمع لها كل أصحاب اللهجات.
ربما سر عبقرية الريس حفني ليس في صوته مثل محمد طه، ولم يتميز بانفعالات ارتجالية طريفة كحال الريس متقال أثناء الإلقاء، إنما سر الريس حفني في كيفية صياغة الكلمات ثم غنائها بصوت فيه إحساس، بالإضافة إلى طريقته التي تفرد بها في ارتجال التراكيب اللغوية بموهبة فطرية وذكاء وإلمام قوي بمفردات اللغة وإبداعه في فن الواو.
تبدو الكلمات متناسقة مع براعته في اللعب بالمفردات مع صوته في موال “ما يميلوش” حين يقول:
ما يميلوش ما يميلوش الناس الأُصَلا (جمع أصيل) ما يميلوش
الأصيلة عمرها ما تميل ** لو سكة السفر 100 ميل
أيام على الدنيا بعديها ** ياما ناس الحظ معاديها
ع المبدأ دا ربوهم ** واتربوا في دار أبوهم
لو بالنار ضربوهم ** الناس الأصلا ما يميلوش
لو مالقيوش مساكِن ** وعاشوا العمر مساكين ** برضه ع الشرف ماسكين
ويقول في “كلام الناس” :-
كلام الناس يا ولدي سيبك من كلام الناس
فيه ناس دماغها مونونة ** ما بتبطلش ونونة ** يقعد يقلك أنا وأنا
يعني اللي يلوم الناس يتلام ** سلاح في إيدو يتلم ** يتبعتر ولا يتلم
شهرة الريس حفني وصلت حتى القصر الرئاسي، حيث غنى لـ”عبدالناصر” موالاً كاملاً بعنوان “بيحكي التاريخ عنه” ، ويقول في مطلعه:
من أصدقاء جمال ** ياما جانا سلاح وجا مال ** كلو حلاوة وجمال
عمره ما اعتدى بالشر ** دائما بالخير يبشر ** يخاف على كل البشر
وفي سنين بسيطة قَدَّمْنَا ** وعالكنال ثبت قَدَمْنَا ** ورسملنا السكة قدامنا
وصول الريس حفني إلى الرئيس عبدالناصر لم يكن بسبب أنهما بلديات فقط، بل لإعجاب عبدالناصر بموال “طالت الغربة”، حيث رأى عبدالناصر أن هذا الموال هو أصدق تعبير عن غربته في فلسطين، ونصح الريس حفني بأن يقوم بنسخ كافة أغانيه في أسطوانات، لا تُعْرَف سيرة ذاتية لحياة الريس حفني، لكن ربما يكون إرثه من المواويل هو الذي يبقى اسمه على ألسنة من اعتادت مسامعه الاستماع لهذا الفن الذي أجاد فيه.
تعليقاتكم